الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإقناع في القراءات السبع
.باب الهمزة: الهمزة حرف يخرج من أقصى الحلق، وهي أدخل الحروف في الحلق، فلما كانت كذلك استثقل أهل التخفيف إخراجها من حيث كانت كالتهوع، فخففوها. ولتخفيفها أحكام أرجأناها إلى ذكر وقف حمزة؛ لأن الحاجة إليه ثم أمس. ونجري هنا على طريقة المقرئين في تقسيمها، وذكر اختلاف القراء فيها فنقول: الهمزة لا تخلو من أن تكون متحركة أو ساكنة، والمتحركة لا تخلو من أن تلاقي همزة أخرى أو لا تلاقي. فإن التقت الهمزتان فقد ذكر القراء أنهما يجيئان في كلمة وفي كلمتين، وتحقيقه إن ذلك كله من كلمتين إلا {أَئِمَّةً}. فكل ما كان من كلمة فإنه ينقسم قسمين: أن تكون الهمزة الأولى داخلة على ألف اللام، أو تكون داخلة على غيرها. فأما الداخلة على ألف اللام فجملة ما في القرآن من ذلك ستة مواضع وهي: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ} في الموضعين في [الأنعام: 142، 144]، و {آلْآنَ} في الموضعين في [يونس: 51، 91]، و {قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} في [يونس: 59]، و {آللَّهُ خَيْرٌ} في [النمل: 59]. فأجمع القراء على تحقيق همزة الاستفهام وتخفيف الثانية، وفي يونس موضع سابع على قراءة أبي عمرو، وهو "آلسحر". وصورة التخفيف قد ذكر أصحاب سيبويه أنه بالبدل ألفا. قال لي أبي -رضي الله عنه: والذي يوجبه قول سيبويه في باب الهمز أنها تخفف بين بين، كما يخفف غيرها من الهمزات المتحركة، إلا ما استثنى من المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة، وإنما تخفف بالبدل الهمزة الساكنة، وهذا العموم يتناول الوصل والقطع، فأما قوله: "إنما ثبتت تشبيها بهمزة أحمر، وكما شبهوها بها في قولهم: ألحمر في لغة من خفف الهمزة" وقوله في باب همزة الوصل: "ولم تحذف في الوصل" فإنما بين هنا أنها تخالف غيرها من همزات الوصل، في أن غيرها يحذف نحو {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ} [ص: 75] وهذه ثبتت لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، فذكر في كل باب ما يختص به، وجاء من مجموع ذلك ما ذكرناه. قال أبو جعفر: وهذا أحسن غاية، وعلى هذا لا يتمكن المد، وعلى قول من ذهب إلى البدل يتمكن المد. وأما الداخلة على غير ألف اللام، فإنها تجيء على ثلاثة أضرب: مفتوحتان، ومفتوحة ومكسورة، ومفتوحة ومضمومة..ذكر المفتوحتين: المفتوحتان في جميع القرآن ثمانية وعشرون موضعا: تسعة منها لم يمض القراء فيها على أصولهم. وباقيها مضوا فيها على أصولهم، وهي تسعة عشر موضعا، أولها في البقرة {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [6] {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ} [146]، وفي آل عمران {أَأَسْلَمْتُمْ} [20] {أَأَقْرَرْتُمْ} [81]، وفي [المائدة: 116] {أَأَنْتَ قُلْتَ}، وفي [هود: 72] {أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} وفي [يوسف: 39] {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ}، وفي [الإسراء: 61] {أَأَسْجُدُ}، وفي [الأنبياء: 62] {أَأَنْتَ فَعَلْتَ}، وفي [الفرقان: 17] {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ}، وفي [النمل: 40] {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}، وفي يس: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} [10] {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ} [23]، وفي الواقعة: {أَأَنْتُمْ} أربعة مواضع [59، 64، 69، 72]، وفي [المجادلة: 13] {أَأَشْفَقْتُمْ}، وفي [النازعات: 27] {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ}، فقرأ الكوفيون وابن ذكوان بتحقيق الهمزتين في هذه المواضع. وقرأ الباقون، وهم الحرميان وأبو عمرو وهشام، بتسهيل الثانية منهما، وهم في التسهيل مختلفون. فورش يبدلها ألفا، هكذا رواية المصريين عنه، والقياس أن يكون بين بين، وبه يأخذ له أبي -رضي الله عنه- في هذا الفصل، وبه قرأت عليه. وابن كثير يجعلها بين بين، ولا يدخل بينهما ألفا. وقالون وهشام وأبو عمرو كذلك، إلا أنهم يدخلون بينهما ألفا. وقد حكى أبو الطيب عن ورش مثل ذلك، وليس بمعروف. فأما التسعة التي لم يمضوا فيها على أصل واحد:فأولها: {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ} في [آل عمران: 73]. قرأه ابن كثير بهمزتين على الاستفهام، الثانية منهما بين بين من غير فصل على أصله. الباقون بهمزة واحدة على الخبر. الثاني والثالث والرابع: {أَأَمِنْتُمْ} في [الأعراف: 123]، [وطه: 71]، [والشعراء: 49]. قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي فيهن على الاستفهام بهمزتين محققتين بعدهما ألف. وروى حفص في الثلاثة بهمزة وألف على الخبر. وروى قنبل {فرعون وآمنتم} [الأعراف: 123] يبدل في حال الوصل من همزة الاستفهام واوا مفتوحة، ويمد بعدها مدة في تقدير ألفين، هذه رواية ابن مجاهد عنه. وقال غيره عنه: {فرعون وآمنتم} بواو بعدها همزة على الاستفهام، وقرأ في [طه] على الخبر بهمزة وألف، وقرأ في الشعراء على الاستفهام، وبهمزة ومدة مطولة في تقدير ألفين. وكذلك قرأ الباقون في الثلاثة. وأجمعوا على ترك الفصل بين المحققة والمسهلة في هذه المواضع؛ كراهية اجتماع ثلاث ألفات بعد الهمزة، وليس ذلك في {أَأَنْذَرْتَهُمْ} على أن الأهوازي ذكر أنه قرأ على السلمي للشاميين عن ابن ذكوان بمدة في تقدير أربع ألفات، وهذا غير مأخوذ به. ومن أخذ لورش في {ءأنذرتهم} بالبدل لم يأخذ له هنا إلا بين بين. الخامس: {أَأَعْجَمِيٌّ} في [فصلت: 44]. قرأه هشام بهمزة واحدة من غير مد على الخبر، كذلك قال أبو طاهر بن أبي هاشم، ومحمد بن أبي عمر النقاش، وأبو بكر الولي، وأبو العباس العجلي عن ابن مجاهد عن قنبل كهشام. وكذلك نص عليه ابن مجاهد في "كتاب المكيين" وفي "الجامع" وقال عنه في السبعة بالمد. وقرأه الباقون بهمزتين على الاستفهام، وحققهما أبو بكر وحمزة والكسائي، ولين الباقون الثانية. وفصل قالون وأبو عمرو بينهما على أصلهما في {أَأَنْذَرْتَهُمْ} وورش على أصله في إبدال الثانية ألفا من غير فصل، والقياس بين بين. ولم يفصل ابن كثير على أصله أيضا، ومثله حفص؛ لأنه إذا حقق الهمزتين لم يفصل. فأما ابن ذكوان فقد اختلف الشيوخ في الأخذ له، فكان عثمان بن سعيد يأخذ له بغير فصل كابن كثير، وكذلك روى لنا أبو القاسم -رحمه الله- عن المليحي عن أبي علي البغدادي. وكذلك قال محمد بن إبراهيم أبو عبد الله القيسي، فيما أخبرني عبد الله بن علي عن مروان بن عبد الملك عنه، وهؤلاء الثلاثة حُفّاظ، علماء بتأويل نصوص من تقدم. وكان أبو محمد مكي بن أبي طالب يأخذ له بالفصل بينهما بألف، وعلى ذلك أبو الطيب وأصحابه، وهو الذي تعطيه نصوص الأئمة من أهل الأداء؛ ابن مجاهد والنقاش وابن شنبوذ وابن عبد الرزاق وأبي الطيب التائب وأبي طاهر بن أبي هاشم وابن أشتة والشذائي وأبي الفضل الخزاعي وأبي الحسن الدارقطني وأبي علي الأهوازي، وجماعة كثيرة غيرهم من متقدم ومتأخر، قالوا كلهم: بهمزة ومدة. وهكذا الخلاف بين الشيوخ لابن ذكوان في {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ} في [القلم: 14]. فأما أبو عمرو ومن قال بقوله، فحجتهم ما حدثنا به أبي -رضي الله عنه- قراءة عليه، حدثنا أبو داود وأبو الحسن، حدثنا أبو عمرو قال: لما لم يفصل ابن ذكوان بهذه الألف بين الهمزتين في حال تحقيقهما مع ثقل اجتماعهما علم أن فصله بها بينهما في حال تسهيله إحداهما مع خفة ذلك غير صحيح في مذهبه. قال: على أن الأخفش قد قال في كتابه عنه بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، ولم يذكر فصلا بينهما في الموضعين، قال: فاتضح ما قلناه. وأما أبو محمد مكي ومن قال بقوله، فحجتهم ما حدثنا به أبو القاسم خلف بن محمد بن صواف -رحمه الله- قراءة عليه وأنا أسمع، حدثنا أبو عبد الله محمد بن مطرف الطرفي، حدثنا أبو محمد مكي قال في ترجمة {أَأَعْجَمِيٌّ} : "لكن ابن ذكوان لم يجئ له أصل يقاس عليه، فيجب أن يحمل أمره على ما فعل هشام في "أئنكم" و"ءأنذرتهم" ونحوهما، فيكون مثل أبي عمرو وقالون، وحمله على مذهب الراوي معه عن رجل بعينه أولى من حمله على غيره". وقال في ترجمة {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ} [القلم: 14] : "وكان حمل قراءة ابن ذكوان على مذهب هشام أولى لعلل، منها أنه لم يفرق بينهما في الترجمة في نقل الرواية في هذا، ومنها أن إجراءه على مذهب من روى معه عن رجل بعينه أولى من حمله على مذهب من لم يرو معه، ومن لم يرو هو عنه، ومنها أنه وجه حسن في التخفيف، في أشباه ذلك". وقال لي أبي -رضي الله عنه: الأمر في هذا قريب، ولم يذكر مكي إلا ما قرأ به على أبي الطيب، ونصوص القوم يسبق منها ما ذهب إليه، والأقيس ما رواه أبو عمرو، وعبارتهم لا يقطع منها على خلاف ما رآه، لا سيما أن الكوفيين همزة بين بين عندهم ساكنة، فهي ممدودة، وتجيء عبارة القراء على قول الكوفيين، وهو أكثر ما يوجد لهم، والله أعلم. السادس: {آلِهَتِنَا} في [الزخرف: 58]. أجمعوا على قراءته بالاستفهام، إلا ما ذكر الأهوازي عن أبي حفص الكتاني، عن زيد بن أبي بلال، عن الرملي، عن النحاس، عن أبي يعقوب، عن ورش أنه قرأه على الخبر، وهي رواية ابن عبد الرزاق، عن عبد الجبار بن محمد، عن أبي الأزهر عنه، ولم أقرأ له بذلك. وكان الكوفيون يحققون الهمزتين، وبعدهما ألف مبدلة من الهمزة التي هي فاء الفعل. وسهل الباقون الثانية وبعدها ألف، ولم يدخل أحد منهم ألفا بين المحققة والمسهلة لما ذكرنا في {آمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123]. وقياس قول السلمي عن الشاميين عن ابن ذكوان إدخالها بينهما، ولم يذكر فيه الأهوازي عنه شيئا. السابع: {أَذْهَبْتُمْ} في [الأحقاف: 20]. قرأ ابن ذكوان بهمزتين محققتين من غير إدخال ألف بينهما، وكذلك قال الأخفش عن هشام. وقرأ ابن كثير وهشام بهمزتين الثانية مسهلة، وأدخل هشام بينهما ألفا على أصله، ولم يدخلها ابن كثير على أصله أيضا. الباقون بهمزة واحدة على الخبر. الثامن: {النُّشُورُ، أَأَمِنْتُمْ} [الملك: 15، 16]. أجمعوا على الاستفهام فيه، وحقق الهمزتين الكوفيون وابن ذكوان. ولين الثانية الباقون، وهم على أصولهم في البدل، وبين بين. وروى ابن مجاهد وجماعة عن قنبل أنه أبدل همزة الاستفهام واوا مفتوحة في الوصل، فإذا ابتدأ حققها. فأما الثانية التي هي فاء الفعل، فالثابت عن ابن مجاهد وغيره عنه تسهيلها بين بين. وذكر الأهوازي عن ابن شنبوذ، وغيره عن قنبل تحقيقها، فيقول: "النشور، وأمنتم". والصواب عندي في الرواية ما ثبت عن ابن مجاهد عنه، ألا ترى أنه إذا ابتدأ على هذا القول جمع بين همزتين محققتين، وهذا خلاف لأصله، إلا أن يكون في قول هؤلاء إذا ابتدأ ليَّنها، وإذا وصل حقَّقها على نحو ما يصنع من تخفيف {الَّذِي اؤْتُمِنَ} [البقرة: 283] والله أعلم، وهو على هذا أيضا خلاف لأصله. وذكر الأهوازي أيضا عن جماعة عن قنبل تحقيق همزة الاستفهام في الوصل كالباقين. التاسع: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ} في [القلم: 14]. قرأ أبو بكر وحمزة وابن عامر {أَنْ كَانَ} بهمزتين على الاستفهام، ولين الثانية ابن عامر، وفصل هشام بينهما بألف، وابن ذكوان كذلك عند مكي. ولا يفصل عند أبي عمرو على ما ذكرناه آنفا في {أَأَعْجَمِيٌّ} [فصلت: 44]. وذكر عن هشام وعن ابن ذكوان أيضا تحقيق الهمزتين. الباقون بهمزة واحدة على الخبر..ذكر الهمزتين المفتوحة والمكسورة: وجملتها أربعة وعشرون موضعا، سوى الاستفهامين، فإني وضعت لهما بابا مفردا. والهمزة الأولى في هذه المواضع للاستفهام إلا في {أَئِمَّةً}. فمن هذه الأربعة والعشرين ثمانية عشر حرفا جَرَوْا فيها على أصل واحد، وستة لم يجروا فيها على أصل واحد. فأما التي جروا فيها على أصل واحد، فأولها في [الأنعام: 19] {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ}، وفي [الشعراء: 41] {أَإِنَّ لَنَا لَأَجْرًا}، و {أَئِمَّةً} في خمسة مواضع، في [التوبة: 12] {أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}، وفي [الأنبياء: 73] {أَئِمَّةً يَهْدُونَ}، وفي القصص: {أَئِمَّةً} موضعان [5، 41]، وفي [السجدة: 24] {أَئِمَّةً يَهْدُونَ}. وهذا هو على الحقيقة من كلمة واحدة؛ لأنه "أَفْعِلة" جمع إمام. وفي [النمل: 55] {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُون}، وفيها {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} خمسة مواضع [60، 61، 62، 63، 64]. وفي [يس: 19] {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ}، وفي الصافات: {أَإِنَّكَ لَمِنَ} [52]، {أَإِنَّا لَتَارِكُو} [36] {أَإِفْكًا آلِهَةً} [186]، وفي [فصلت: 9] {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}. فقرأ الحرميان وأبو عمرو بتحقيق الأولى، وتسهيل الثانية بين بين. وفصل بينهما بألف قالون وأبو عمر. والباقون بتحقيق الهمزتين فيهن، وأدخل هشام بينهما ألفا من طريق الفضل وابن عبدان عن الحلواني عنه. وقرأنا للحلواني عنه من طريق ابن غلبون بغير فصل إلا في الاستفهامين، ونذكر الخلاف فيهما بعد الفراغ من هذا الباب، وإلا في سبعة مواضع؛ أربعة من هذه التسعة عشر وهي {أَإِنَّ لَنَا} في الشعراء، {أَإِنَّكَ لَمِنَ} في الصافات، وفيها {أَإِفْكًا}، و {أَإِنَّكُمْ} في فصلت. وثلاثة من الستة التي خالفوا فيها أصولهم، وهي في الأعراف {أَإِنَّكُمْ} [81] و {أَإِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} [113]، وفي [مريم: 66] {أَإِذَا مَا مِتُّ} فإنه فصل في هذه السبعة بين الهمزتين، ولين الثانية في "فصلت" خاصة، وهذه رواية محمد بن هشام بن عمار عن أبيه فيما ذكر الأهوازي، غير أنه لم يذكر التليين في {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ}، ولا ذكر {أَإِذَا مَا مِتُّ}. وقال في "الإيضاح": رأيت من يمدهنَّ -يعني الستة- بهمزة واحدة فيهن فقط، عن الحلواني عن هشام. وأما المواضع الستة:فأولها: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ} في [الأعراف: 81]. قرأه نافع وحفص: {إِنَّكُمْ} على الخبر. الثاني: {أَإِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} فيها [113]. قرأه الحرميان وحفص {إِنَّ} بهمزة مكسورة على الخبر. الثالث: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ} في [يوسف: 90]. قرأه ابن كثير {إِنَّكَ} بهمزة مكسورة على الخبر. الرابع: {إذا ما مت} في [مريم: 66]. قرأه ابن ذكوان بهمزة واحدة مكسورة على الخبر، هكذا قال ابن شنبوذ عن الأخفش، وتابعه على ذلك عبد الله بن أحمد البلخي، وجعفر بن أبي داود، والشاميون، وكذلك نص عليه الأخفش في كتابه. واختُلف عن ابن الأخرم، فحكى عنه صالح بن إدريس، وأبو بكر الشذائي، وأبو الفرج الشنبوذي، وأبو الحسن الثغري، وغيرهم من العراقيين بهمزتين، وتابعهم على ذلك من أصحابه الشاميين محمد بن عبيد بن الخليل، وقال الأهوازي عن أبي بكر السلمي عن ابن الأخرم وجماعة معه بهمزة واحدة. وكذلك قال أبو سهل عن ابن الأخرم، وعن النقاش عن الأخفش بهمزتين، لم يُختلف عن الأخفش في ذلك. الخامس: {أَإِذَا مِتْنَا} في [ق: 3]. قرأه هشام بهمزة واحدة على الخبر، هكذا حدثنا به أبو القاسم -رحمه الله- عن أبي معشر عن الكارزيني عن الشذائي، وعن أبي معشر عن الدقاقي عن أبي الفضل الخزاعي عن الشذائي عن ابن عبد الصمد عن الفضل عن الحلواني. وقرات عليه من طريق الأهوازي عن التستري عن ابن عبد الصمد بالاستفهام كالباقين، وكذلك قرأت من طريق ابن عبدان، وابن غلبون. وذكر الأهوازي أن الخبر فيه رواية أبي الحسين الأزرق عن الحلواني عن هشام. السادس: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة: 66]. قرأه أبو بكر بهمزتين، والباقون بواحدة مكسورة. قال أبو جعفر: وتسهيل الثانية في قول من سهَّل في هذا الفصل بأن تجعل بين بين، أي: بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، وهي الياء، إلا في {أَئِمَّةً} فإن حكم التخفيف فيه عند النحويين والقراء الإبدال ياء محضة؛ لأنها من كلمة واحدة وهكذا نص عليه سيبويه. ومن القراء من يأخذ في الباب كله بالإبدال ياء محضة. وذكر الأهوازي أنه قرأ بذلك لأبي عمرو من طريق ابن أبي برزة عن الدوري، قال: وقال أبو الحسن العلاف -رحمه الله: إظهار الياء في تليين الثانية من ذلك هو مذهب البصريين عن أبي عمرو. الاستفهامان:اختلفوا في الاستفهامين إذا اجتمعا في أحد عشر موضعا: في الرعد موضع [5]، وفي بني إسرائيل موضعان [49، 98]، وفي المؤمنون موضع [82]، وفي النمل موضع [67]، وفي العنكبوت موضع [28، 29]، وفي السجدة موضع [10]، وفي الصافات موضعان [16، 53]، وفي الواقعة موضع [47]، وفي النازعات موضع [10، 11]. وكلها يجتمع الاستفهامان منها في آية، سوى "العنكبوت، والنازعات" فإنهما من آيتين. فكان نافع والكسائي يجعلان الأول منهما استفهاما والثاني خبرا، وخالفا أصلهما في "النمل، والعنكبوت". أما في "النمل" فأخبر نافع بالأول واستفهم بالثاني، وقرأ الكسائي على أصله إلا أنه زاد نونا في {أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ}. وأما في "العنكبوت" فأخبر نافع بالأول واستفهم بالثاني، وجمع الكسائي بين الاستفهامين. وقرأ ابن عامر بضدهما، فأخبر بالأول واستفهم بالثاني، إلا في "النمل، والنازعات" فإنه استفهم بالأول وأخبر بالثاني، وزاد في "النمل" نونا كالكسائي. وقرأ في "الواقعة" يجعلهما استفهاما. وهي قراءة الباقين من القراء في جميع هذا الباب، إلا أن ابن كثير وحفصًا خالفا أصلهما في "العنكبوت" فأخبرا بالأول واستفهما بالثاني، وهم على أصولهم في التخفيف والتحقيق، والفصل وتركه. وابن غلبون يفصل بين الهمزتين لهشام كسائر رواة الحلواني عنه. والشيوخ يوردون الاستفهامين على ثلاثة أوجه:الأول: أن تذكر بخلافها واستثنائها، وإعادة مذاهبهم في التحقيق والتليين، والفصل وتركه. الثاني: أن تذكر بخلافها واستثنائها فقط كما ذكرناها. الثالث: أن تذكر بخلافها فقط، فيقال: نافع والكسائي يستفهمان بالأول، ويخبران بالثاني إلا ما استثنى. ابن عامر بضدهما إلا ما استثني. الباقون بالجمع بين الاستفهامين، إلا ما استثنى بعضهم..ذكر الهمزتين المفتوحة، والمضمومة: وهي أربعة مواضع، الهمزة الأولى فيهن للاستفهام، ثلاثة منها الترجمة فيها واحدة، وهي {أَؤُنَبِّئُكُمْ} في [آل عمران: 15]، و {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ} في [ص: 8]، {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ} في [القمر: 25]. فالحرميان وأبو عمرو يسهلون الثانية، وقالون يُدخل بينهما ألفا. وكذلك قرأت لأبي شعيب من طريق ابن حبش، وكذلك ذكر أبو محمد مكي عن أبي شعيب فيما قرأته على غير أبي الطيب. وذكر الشيخ أبو محمد أيضا أنها رواية ابن اليزيدي عن أبيه، والذي ذكر الخزاعي والأهوازي عن ابن اليزيدي قصر {أَؤُنَبِّئُكُمْ} ومد {أَأُنْزِلَ} و {أَأُلْقِيَ}. واختلف عن هشام، فقرأت من طريق ابن عبدان عن الحلواني عنه بهمزتين بينهما ألف فيهن قولا واحدا، ومن طريق ابن غلبون عن الحلواني بتحقيق الهمزتين في "آل عمران" من غير ألف بينهما وبتسهيل الثانية في {أَأُنْزِلَ} و {أَأُلْقِيَ} وبفصل فيهما بألف. وقال الأهوازي في مفردة ابن عامر: الحلواني عن هشام بهمزتين مقصورتين، وبهمزتين بينهما مدة، وبهمزة واحدة ممدودة فيهن، ثلاثة أوجه عنه. وبها ثلاثتها قرأت على أبي القاسم -رحمه الله. الباقون بتحقيق الهمزتين فيهن من غير ألف بينهما. الموضع الرابع: {أَشْهِدُوا} في [الزخرف: 19] قرأه نافع بهمزتين، الثانية مضمومة مسهلة بين الهمزة والواو، وفصل قالون من غير طريق مكي بألف. الباقون {أَشْهِدُوا} بهمزة واحدة، مبني الفعل للفاعل..القسم الثاني: وهو ما كان من الهمزتين المتحركتين في كلمتين وذلك ينقسم قسمين: أن تكونا متفقتي الحركة أو مختلفتي الحركة، فالمتفقتا الحركة على ثلاثة أقسام: مكسورتان، ومفتوحتان، ومضمومتان..ذكر المكسورتين: إذا اتفقتا بالكسر فجملة ما في القرآن من ذلك خمسة عشر موضعا، كلها قبل الهمزة الأولى منها ألف إلا موضعا واحدا ما قبل الهمزة فيه واو. أولها في [البقرة: 31] {هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ}، وفي النساء: {مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا} موضعان [22، 24] وفي [هود: 71] {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، وفي [يوسف: 53] {بِالسُّوءِ إِلَّا}، وهذا هو الموضع الذي قبل الهمزة فيه واو، وفي [بني إسرائيل: 102] {هَؤُلاءِ إِلَّا} وفي [النور: 33] {عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ}، وفي [الشعراء: 187] {مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ}، وفي [السجدة: 5] {مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ}، وفي الأحزاب {مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [32]، و {أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ} [55]، وفي سبأ {مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ} [9]، و {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ} [40]، وفي [ص: 15] {هَؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً}، وفي [الزخرف: 84] {فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} فقرأ الكوفيون وابن عامر بتحقيق الهمزتين فيهن، وسهل الباقون. واختلفوا في صور التسهيل، فكان قنبل وورش يبدلان الثانية ياء ممدودة، هكذا نصوص القراء، والقياس فيه بين بين. وحدثنا أبو داود قال: حدثنا أبو عمرو قال: أخذ على ابن خاقان لورش بجعل الثانية ياء مكسورة في الموضعين خاصة في البقرة {هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ}، وفي النور {عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ} قال: وذلك مشهور عن ورش في الأداء، دون النص. وقرأ قالون والبزي بجعل الأولى بين بين، وتحقيق الثانية إلا قوله تعالى: {بِالسُّوءِ إِلَّا} فإنهما حذفا الهمزة الأولى، وألقيا حركتها على الواو قبلها، وحققا الثانية. هكذا أخذ علينا أبي -رضي الله عنه- وهو القياس، ولا أعلمه روي. والذي يذكر القراء فيه {بِالسُّوءِ إِلَّا} بواو مشددة بدلا من الهمزة، وبهذا يأخذ معظمهم. ومنهم من أخذ لهما بجعل الأولى بين بين كالمواضع الأربعة عشر، وهو مذهب الكوفيين، يجرون الواو والياء مجرى الألف في تخفيف الهمزة بعدهما بين بين، وسيجيء ذكر هذا في وقف حمزة إن شاء الله..ذكر المفتوحتين: وجملة ما في القرآن منها تسعة وعشرون موضعا: أولها في [النساء: 5] {السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}، وفيها [النساء: 43] {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ} وفي [المائدة: 6] {جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ}، وفي [الأنعام: 61] {جَاءَ أَحَدَكُمُ}، وفي الأعراف {جَاءَ أَجَلُهُمْ} [34] و {تِلْقَاءَ أَصْحَابِ} [47]، وفي [يونس: 49] {جَاءَ أَجَلُهُمْ}، وفي هود: {جَاءَ أَمْرُنَا} سبعة مواضع [40، 58، 66، 76، 82، 94، 101]، وفي الحجر {جَاءَ آلَ لُوط} [61] و {جَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ} [67]، وفي [النحل:61] {جَاءَ أَجَلُهُمْ}، وفي [الحج: 65] {السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ}، وفي [المؤمنون: 27، 99] {جَاءَ أَمْرُنَا} و {جَاءَ أَحَدَهُمُ}، وفي [الفرقان: 57] {شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ}، وفي [الأحزاب: 24] {إِنْ شَاءَ أَوْ}، وفي [فاطر: 45] {جَاءَ أَجَلُهُمْ}، وفي [المؤمن: 78] {جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}، وفي [القتال: 18] {جَاءَ أَشْرَاطُهَا}، وفي [القمر: 41] {جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ}، وفي [الحديد: 14] {جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}، وفي [المنافقون: 11] {جَاءَ أَجَلُهَا}، وفي [عبس: 22] {شَاءَ أَنْشَرَهُ}، فحقق الهمزة فيهن الكوفيون وابن عامر، وسهل ورش وقنبل الثانية بأن أبدلاها ألفا، هكذا عبارتهم، والقياس أن تجعل بين بين، كذلك ذكره سيبويه، وبه أخذ علينا أبي -رضي الله عنه- وبه كان يأخذ طاهر بن غلبون، ولا أعلمه روى. وقالون والبزي وأبو عمرو يحذفون الأولى، هكذا يأخذ القراء لهم. وروى سيبويه عن الخليل عن أبي عمرو جعل الأولى بين بين على ما يوجبه القياس، وحذف الهمزة من التخفيف الشاذ. قال أبو جعفر: وتسهيل الثانية في هذا عند الخليل وسيبويه أولى من تسهيل الأولى، ويحتجان بأن التخفيف وقع على الثانية إذا كانتا في كلمة واحدة، نحو آدم وآخر، فكذلك إذا كانتا من كلمتين. وكان أبو محمد مكي يأخذ لورش في {جَاءَ آلَ لُوطٍ} في الموضعين خاصة بين بين، قال: "لأنك لو أبدلت لوجب الحذف؛ لالتقاء الساكنين". وكان أبو عمرو يأخذ له بالبدل، فلينظر الأرجح من قوليهما، وقد تقدم الكلام على أصل {آلَ} في الإدغام.
|